الحضارة الإسلامیة و میزاتها الخاصة
بسم الله الرحمن الرحیم
موضوع: الحضارة الإسلامیة و میزاتها الخاصة
فی البدایة لا بد لنا أن نتناول معنی الحضارة بشکل عام و بعد ذلک سنتحدث عن الموضوع المذکور.
ها هو تعریف الحضارة فی رأینا:
الحضارة هی مجموعة عظیمة من المجتمعات الإنسانیة التی تتمیز من سائر المجتمعات البشریة بسبب میزاتها الخاصة فی الأفکار والنزعات و الأعمال.
أما الحضارة الإسلامیة هی الحضارة التی یمیزها الإسلام و أعقاداته و أدابه و أحکامه.
أما ما هی أهم خصوصیات التی تمتاز بها الحضارة الإسلامیة:
الأول: الإسلام دین التوحید وإن ثقافته مظهر من مظاهر تجلی الوحدة. فمن الممکن مشاهدة التوحید فی جمیع مظاهر الحضارة الإسلامیة و ثقافتها،إنطلاقا من أجواء المسجد و فضاء البیت فی الهندسة و غیرها و لا نبالغ إذا قلنا أن الفرد المسلم فی الحضارة الإسلامیة یتنفس فی أجواء مفعمة بالتوحید الملکوتی.
التوحید هو الأصل الإسلامی الأوحد و کما نری یتمتع التوحید فی البناء النظری للمعارف و المفاهیم الإسلامیة بدور أساس و یلقی بظلاله علی جمیع المعارف بحیث أن کل شیئ یرتبط به.فلو تأملنا فی الفن الإسلامی و حتی إدارة الحکومة الإسلامیة نری أن جمیع ذلک یتغذی من التوحید الذی هو قلب هذا الدین.
الثانی: إن أهم میزات الحضارة الإسلامیة و ثقافتها هی إنفتاحها و استعدادها لقبول عناصر ثقافیة أخری و مثل هذه المیزة لا تقتصر علی الفلسفة و المنطق والریاضیات والنجوم و غیر ذلک من العلوم المشابهة فحسب بل تلاحظ فی الکلام أیضا فالإسلام أساسا لا یعرف الحدود للعلم،سواء قومیة أو عرقیة أو حتی مذهبیة و دینیة.
الثالث: التوازن والتعادل الموجود فی الإسلام بین الدنیا و العقبی و المعاش و المعاد. فالدنیا و العقبی متلازمان کاللازم و الملزوم و کلاهما مهم بقدر نفسه و بتعبیر آخر لا تستلزم السعادة الأخرویة ترک الدنیا و تجاهل الإحتیاجات الدنیویة أو نبذها.
الرابع:المیزة الرابعة هی أنّه ظهر فی مکان کان مرکزالعالم فی عصره وکانت تحیط به من جهاته الأربع کبری ثقافات و أدیان فی ذلک العصر. فمن جهة کان علی إتصال مباشر بمملکة الساسانیین وحضارتها العریقة و بالدیانة الزردشتیة ولامانویة و المزدکیة. و من جهة أخری کان یقف فی قباله امبراطوریة روما المقتدرة و المسیحیة و الیهود و بقیة المدارس و المذاهب الدینیة والفکریة و العرفانیة الغربیة.فاستطاع الإسلام منذ بدایة ظهوره و خلال فترة قصیرة أن ینفذ إلی قلب الحضارات الکبری حینذاک و أن یضم تحت لوائه الأقوام و الملل المختلفة التی لم یکن بینها قبل ذلک أی نوع من الإنسجام و التجانس.
و هذا لا یعنی ذوبانهم فی أدیان الأخرین و ثقافتهم لأن الإسلام ینادی بالتوحید و هو یتمتع بمرکزیة و سلطة فبسبب مرکزیة التوحید هذه فإن لدی المسلمین ملاکا و معیارا و ضابطة فی اقتباس معطیات الآخرین و انجازاتهم.
لقد أخذ المسلمون فلسفة أرسطو و علم الإسکندریة و العلم الیونانی کما إقتبسوا الریاضیات الیونانیة إلا أنهم لم یعتنوا بالأساطیر والآداب الیونانیة فطرحوها إلی جانب.
الخامس: الإهتمام الذی یولیه الإسلام لکل من العالم الباطنی للإنسان و محیطه الخارجی و هذا یعنی أن الإسلام خلافا للأدیان الشرق الأقصی التی تقف عاجزة أمام ما یحیط بها و تقصر دعوتها علی تصفیة الباطن و تهذیب النفس حیث جعلت ذلک غایته الأولی و الأخیرة،قد أخذ بجانب الإعتبار کلا الجانبین فکان له رأیه فی الم الباطن و تهذیب النفس و الإیمان و التقوی کما عبر عن نظرته فی کیفیة التحکم بالمحیط الخارجی و تشکیل الحکومة والسبیل إلی إصلاح أمورالناس والتصدی للشئون الإجتماعیة.
أما فی الأخیرأجیب عن هذا السؤال:
ما هی علل أفول الحضارة الإسلامیة و ضعفها فی القرون الأخیرة؟
لقد ضیع العالم الإسلامی وحدة کلمته وانسجامه الثقافی اللذین یتجلیان فی حضور أصل التوحید فی الحضارة الإسلامیة و ثقافتها وإن عودته إلی الأهداف الجاهلیة مثل التعصب و العرقیة والقومیة و غیر ذلک قد زرعت بین صفوفه الفرقة و الخلاف و الشقاق.
الدلیل الأخر علی انحطاطها هو انعدام ثقة النفس فکلما نقترب من عصرنا الحاضر یفقد المسلمون ثقتهم بأنفسهم أکثر فأکثرویصابون بالرهبة و الرعب أمام الحضارة الغربیة و فی العقود الأخیرة أضیف دلیل آخر علی الألة السابقة وهو علی درجة کبیرة من الأهمیة. إنه الغزو الثقافی الغربی ولم یکن هذا الغزو مختصرا علی الأبعاد السیاسیة و العسکریة،بل کانت له فی الغالب أبعاد ثقافیة.لقد إستطاعت القیم الغربیة و معاییرها و مفاهیمها أن تنفذ إلی أرکان ثقافتنا الدینیة حتی أن بعض مفکرینا أصبحو دعاة للثقافة الغربیة الحدیثة ولکن السبب الرئیس فی هذا الإنحطاط هو نفس المسلمین الذین ترکوا أحکام الإسلام شیئا فشیئا و جعلوها جانبا و نسوها.
نستودعکم الله والسلام علیکم ورحمة الله و برکاته